السبت، 25 فبراير 2012

حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ حُسْنَ الظَّنِّ بِهِ مِنَ الإِيْمَانِ، وَالتَّمَنِّيَ عَلَيْهِ مِنْ دَلائِلِ العَجْـزِ وَالخِذْلانِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، سُبْحَانَهُ يُنْزِلُ بِرَحْمَتِهِ السَّـكِينَةَ عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَيُقَوِّي بِاليَقِينِ عَزَائِمَ المُتَّقِينَ، وَيُبَارِكُ جُهْدَ المُخْلِصِينَ الجَادِّينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ المُصْطَفَى، وَرَسُولُهُ المُؤَيَّدُ المُجْـتَبَى، أَرْبَطُ الخَلْقِ جَأْشًا عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وَأَعْظَمُهُمْ ثِقَةً فِي اللهِ مَهْمَا وَاجَهَ وَكَابَدَ، r وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ، وَعَلَى أَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ البُرُوزِ للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَفْضَلُ الزَّادِ فِي الدَّارَيْنِ، وَسَبِيلُ الفَوْزِ بِالسَّعَادَتَيْنِ: سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَسَعَادَةِ الآخِرَةِ ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[([1])، وَاعلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ، وَالثِّقَةَ فِي عَوْنِهِ جَلَّ فِي عُلاهُ، دَلِيلُ الإِيمَانِ وَمُقْتَضَاهُ، وَلِذَلِكَ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ r بِالاستِمْرَارِ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِ رَمَقٍ فِي الحَيَاةِ، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ  - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: ((لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ))، وَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ مَنْهَجُ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، يُتَرْجِمُونَهُ سُلُوكًا فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِمْ، قَالَ الحَقُّ تَعَالَى عَنْ مُوسَى     -عَلَيْهِ السَّلامُ - وَقَوْمِهِ: ] فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [([2])، وَفِي سِيرَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ r صُوَرٌ نَاصِعَةٌ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ وَالثِّقَةِ بِهِ، فَبَيْـنَمَا رَسُولُ اللهِ r فِي الغَارِ وَالكُفَّارُ عَلَى بَابِهِ قَالَ أَبُوْ بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ تَحْـتَ قَدَمِهِ لَرَآنَا، فَقَالَ r بِلِسَانِ الوَاثِقِ بِاللهِ: ((مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟! لا تَحْـزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا))، وَيُسَجِّـلُ القُرآنُ هَذَا المَوقِفَ، قَالَ تَعَالَى: ] إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ([3]).
   أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
   إِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ لَيْسَ شَقْشَقَةً بِاللِّسَانِ، وَلا أَمَانِيَّ فَارِغَةً تَخْتَلِجُ فِي الجَنَانِ، بَلْ هُوَ اعتِقَادٌ جَازِمٌ صَادِقٌ، وَيَقِينٌ ثَابِتٌ فِي اللهِ تَعَالَى، يُثْمِرُ سُلُوكًا مُستَقِيمًا فِي الحَيَاةِ، إِنَّهُ حَقِيقَةٌ تُتَرْجَمُ فِي مَظَاهِرَ مُخْتَلِفَةٍ وَجَوَانِبَ مُتَعَدِّدَةٍ، فَمِنْ مَظَاهِرِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ صِفَاتِ الجَمَالِ وَالجَلالِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَمْـلُ أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ جَلَّ جَلالُهُ عَلَى المَحَامِلِ الحَسَنَةِ، فَقَدْ عَلَّمَنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ أَنْ نَرُدَّ كُلَّ خَيْرٍ إِلَيْهِ، وَإِذَا حَدَثَ ضُرٌّ رَدَدْنَاهُ إِلَى تَقْصِيرِنَا، فَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ لِنَبِيِّهِ r : ] مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [4])، وَالمُؤْمِنُ يُوقِنُ بِأَنَّ اللهَ لَنْ يَتْرُكَهُ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ، حَتَّى لَوْ تَخَلَّى عَنْهُ كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ، فَثِـقَتُهُ بِمَا عِنْدَ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ ثِقَتِهِ بِمَا عِنْدَ النَّاسِ، فَلا حَوْلَ لأَيِّ قُوَّةٍ فِي العَالَمِ وَلا طَوْلَ لَهَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ، قَالَ تَعَالَى: ] وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا [([5])، وَالَّذِي يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ تَرَاهُ دَائِمًا هَادِئَ البَالِ سَاكِنَ النَّفْسِ مَهْمَا ادْلَهَمَّتِ الخُطُوبُ، فَهُوَ يَعلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَلِسَانُ حَالِهِ: ] قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[([6])، إِنَّهُ يُوقِنُ أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ بَلاءٍِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ خَيْرًا لَهُ؛ يَرفَعُ اللهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ فِي الآخِرَةِ أَوْ يَدفَعُ عَنْهُ شَرًّا أَعْظَمَ مِمَّا ابتَلاهُ بِهِ، أَوْ يُعَوِّضُهُ خَيْرًا مِمَّا فَقَدَ فِي عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ)) أَيْ: يَبْـتَلِيهِ بِالمَصَائِبِ لِيُثِيبَهُ، وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: ((إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ)).
      أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
    إِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ تَعَالَى يَعُودُ عَلَى المُسلِمِ بِفَوَائِدَ عَظِيمَةٍ، وَمِنَحٍ إِلَهِيَّةٍ كَرِيمَةٍ، فِي نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَمُجتَمَعِهِ وَمَالِهِ، فَهُوَ يَغْرِسُ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّةَ اللهِ وَتَعْـظِيمَهُ، وَالخَوفَ وَالرَّجَاءَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَالإِنَابَةَ إِلَيْهِ وَالتَوَكُّلَ عَلَيْهِ وَالاعتِصَامَ بِهِ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى مَزِيدِ العَمَلِ؛ لإِيقَانِهِ بِأَنَّ عَمَلَهُ لَنْ يَضِيعَ، ثِقَةً بِوَعْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ قَالَ: ] إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [([7])، وَالوَاثِقُ بِاللهِ يُعَامِلُ أَفْرَادَ أُسْرَتِهِ وَمُجتَمَعِهِ بِالبِرِّ وَالفَضْـلِ وَالإِحْسَانِ، وَيَصْـفَحُ عَمَّا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنَ تَقْصِيرٍ وَهِجْرَانٍ؛ طَمَعًا فِي عَفْوِ اللهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَهَرَبًا مِنْ غَضَبِهِ وَعُقُوبَتِهِ، وَلْنَتَأَمَّـلْ - عِبَادَ اللهِ - قِصَّةَ نُزُولِ قَولِهِ تَعَالَى: ] وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[([8])، فَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لَمَّا مَنَعَ العَطَاءَ عَنْ قَرِيبِهِ مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ بِسَبَبِ مَوقِفِهِ مِنْ حَادِثَةِ الإِفْكِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تُذَكِّرُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَتُذَكِّرُ المُؤْمِنِينَ، بِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ، فلْيَعْـفُوا عَمَّنْ أَخْطَأَ وأَسَاءَ إِلَيْهِمْ، فَتَأْتِي استِجَابَةُ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ، الَّتِي تَطَهَّرَتْ بِنُورِ اللهِ، وَتَمَكَّنَ مِنْهَا حُسْنُ الظَّنِّ فِي عَفْوِهِ وَرِضَاهُ، فَمَا يَكَادُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَسْمَعُ دَعْوَةَ رَبِّهِ إِلَى العَفْوِ، وَمَا يَكَادُ يَلْمِسُ وِجْدَانَهُ ذَلِكَ السُّؤَالُ المُوْحِي: ]           [، حَتَّى يَرتَفِعَ عَنِ الآلامِ، وَتَشِفَّ رُوحُهُ وَتُشْرِقَ بِنُورِ اللهِ، لِيُلَبِّيَ دَاعِيَ اللهِ فِي طُمَأْنِينَةٍ وَصِدْقٍ وَيَقُولَ: ((بَلَى وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي))؛ وَيُعِيدَ إِلَى قَرِيبِهِ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُهَا عَلَيْهِ، وَيَحلِفَ: وَاللهِ لا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
      أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
  لَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللهِ يَقْتَضِي الاعتِمَادَ عَلَى سَعَةِ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ مَعَ تَعْطِيلِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، فَاجْـتَرَأَ عَلَى المَعَاصِي، وَاتَّبَعَ هَوَى النَّفْسِ الخَامِلَةِ، الَّتِي لَمْ تَأْلَفِ الجِدَّ وَالاجتِهَادَ، وَلَمْ تُؤْمِنْ بِمَبْدَأِ التَّهَيُّـؤِ وَالاستِعْدَادِ، قَالَ تَعَالَى: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرين[([9])، إِنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالتَّمَنِّي أَنَّ الرَّجَاءَ يُصَاحِبُهُ بَذْلُ الجُهْدِ فِي الإِتْيَانِ بِأَسْبَابِ الظَّفَرِ وَالفَوْزِ، وَالتَّمَنِّيَ حَدِيثٌ فِي النَّفْسِ بِحُصُولِ النَّجَاةِ مَعَ تَعْطِيلِ الأَسْبَابِ المُوصِلَةِ إِلَيْهَا، عَلَى أَنَّ القُرآنَ حَصَرَ الأَمْنَ وَالطُّمَأْنِينَةَ، وَقَصَرَ النَّجَاةَ وَالسَّـكِينَةَ فِي عِبَادِ اللهِ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى: ] إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[([10])، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ] الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[([11])، وَأَمَّا الأَمَانِيُّ فَإِنَّهَا رُؤُوسُ أَمْوَالِ المُفْلِسِينَ، تَصْدُرُ مِنْ قَلْبٍ تَزَاحَمَتْ عَلَيْهِ وَسَاوِسُ النَّفْسِ فَأَظْلَمَ مِنْ دُخَانِهَا، وَاستَمْرَأَ حُبَّ شَهَوَاتِهَا، وَكُلَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَمَنَّى حُسْنَ العَاقِبَةِ وَالنَّجَاةَ، وَأَحَالَتْهُ إِلَى العَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ وَالفَضْـلِ، وَمَا هِيَ إِلاَّ وَسَاوِسُ وَأَمَانِيُّ بَاطِلَةٌ، قَالَ تَعَالَى: ] لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا  [([12])، وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ] لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [([13]) بَلَغَتْ مِنَ المُسلِمِينَ مَبْـلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : ((قَارِبُوا وَسَدِّدُوا؛ فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ المُسلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى الشَّوكَةِ يُشَاكُهَا))، لَقَدْ أَمَرَهُمْ r بِالمُقَارَبَةِ وَالتَّسْدِيدِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ الرَّشِيدِ، لِلنَّجَاةِ مِنَ العَذَابِ الشَّدِيدِ، وَالظَّفَرِ بِالسَّعَادَةِ يَوْمَ الوَعِيدِ، وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ r : ((الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانِيَّ)).
  فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّـكُمْ، بِإِصْلاحِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِخْلاصِ جِدِّكُمْ وَاجْـتِهَادِكُمْ؛ تَسْعَدُوا فِي حَيَاتِكُمْ، وَتَخْلُدُوا فِي الجَنَّةِ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ.
      أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.


([1]) سورة الحديد / 28 .
([2]) سورة الشعراء / 61.
([3]) سورة التوبة / 40 .
([4]) سورة النساء / 79 .
([5]) سورة الجن / 13 .
([6]) سورة التوبة / 51 .
([7]) سورة الكهف / 30 .
([8]) سورة النور / 22.
([9]) سورة فصلت / 22-23.
([10]) سورة البقرة / 218 .
([11]) سورة الأنعام / 82 .
([12]) سورة النساء / 123 .
([13]) سورة النساء  / 123 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق