السبت، 25 فبراير 2012

احْتِرامُ الكَبِير


احْتِرامُ الكَبِيرِ
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، سُبْحَانَهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ بِقُدْرَتِهِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِ فَضْـلَهُ وَوَاسِعَ رَحْمَتِهِ، وَحَاطَهُ بِشَرِيعَةٍ تَحْـفَظُ كَرَامَتَهُ، وَتَصُونُ قَدْرَهُ فِي جَمِيعِ مَرَاحِلِ حَيَاتِهِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى جَزِيلِ نِعَمِهِ، وَعَظِيمِ مَنِّهِ وَكَرَمِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، خَلَقَ الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ وَالطَّرِيقِ القَوِيمِ، r وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ؛ :َاعلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ خَلْقَ الإِنْسَانِ يَمُرُّ بِأَطْوَارٍ ثَلاثَةٍ: مَرْحَلَةِ الضَّعْـفِ وَهِيَ مَرْحَلَةُ الطُّفُولَةِ وَالصِّغَرِ، وَفِيهَا يَبْدُو الإِنْسَانُ مُحْـتَاجًا إِلَى الرِّعَايَةِ وَالعِنَايَةِ، وَيَبْـذُلُ وَالِدَاهُ جُهُودًا كَبِيرَةً فِي مُسَاعَدَتِهِ وَالحِفَاظِ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ وَهِيَ مَرْحَلَةُ القُوَّةِ وَالنَّشَاطِ وَالهِمَّـةِ وَالعَمَلِ الكَادِحِ وَالحَيَاةِ النَّاهِضَةِ، وَفِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ يُعَدُّ الإِنْسَانُ سَاعِدَ الحَيَاةِ القَوِيَّ وَالمَسْؤُولَ عَنْ تَقَدُّمِهَا أَوْ تَأَخُّرِهَا، إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى مَرْحَلَةِ الضَّعْـفِ وَالشَّيْخُوخَةِ، وَفِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ تَتَرَاجَعُ قُوَّةُ الإِنْسَانِ، وَيَنْحَسِرُ عَطَاؤُهُ وَنَشَاطُهُ، وَتَتَوَقَّفُ الكَثِيرُ مِنْ أَعْمَالِهِ وَحَرَكَاتِهِ حَتَّى يَعُودَ مُحْـتَاجًا مَرَّةً أُخْرَى إِلَى المُسَاعَدَةِ وَالعَوْنِ، وَالعَطْفِ وَالرَّحْمَةِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ المَرَاحِلَ الثَّلاثَ بِقَولِهِ: ]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ[([2])، وَقَدْ حَرَصَ الإِسْلامُ عَلَى تَنْظِيمِ هَذِهِ المَرَاحِلِ الثَّلاثِ بِالأَخْلاقِ العَالِيَةِ، وَإِكْرَامِهَا بِالآدَابِ الحَسَنَةِ وَالصِّـفَاتِ الجَمِيلَةِ؛ حَتَّى يَعِيشَ هَذَا الإِنْسَانُ مُكَرَّمًا فِي صِغَرِهِ وَقُوَّتِهِ وَكِبَرِهِ؛ مِصْدَاقًا لِقَولِهِ تَعَالَى: ] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا[([3])، وَكَرَامَةُ الإِنْسَانِ وَاحْـتِرَامُهُ وَمَنْزِلَتُهُ مَحْـفُوظَةٌ فِي الإِسْلامِ مِنْ خِلالِ جُمْـلَةٍ مِنَ التَّشْرِيعَاتِ وَالآدَابِ وَالأَخْلاقِ، يُطَبِّـقُهَا الفَرْدُ وَالمُجْـتَمَعُ، وَالدَّولَةُ وَالمُؤَسَّسَةُ أَيًّا كَانَتْ، وَأَيُّ خَلَلِ فِي هَذَا التَّطْبِيقِ فَإِنَّ الحَيَاةَ سَوفَ تَتَحَوَّلُ إِلى فَوْضَى، وَتَهْبِطُ كَرَامَةُ الإِنْسَانِ وَتُمْـتَهَنُ، حَتَّى يَحتَقِرَ الحَيَاةَ وَالعَيْـشَ.
وَإِذَا كَانَ الصَّغِيرُ يَجِدُ مِنْ وَالِدَيْهِ وَالمُجتَمَعِ حَنَانًا فِطْرِيًّا وَعَاطِفَةً طَبِيعِيَّةً، وَإِذَا كَانَ الشَّبَابُ وَالأَقْوِيَاءُ يَنْهَضُونَ بِأَعْبَائِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيَحتَرِمُهُمُ النَّاسُ لِمَكَانَتِهِمْ وَدَوْرِهِمْ فِي الحَيَاةِ؛ فَإِنَّ كِبَارَ السِّنِّ قَدْ لا يَجِدُونَ الاهتِمَامَ وَالعِنَايَةَ الكَافِيَةَ، وَلِذَلِكَ سَارَعَ الإِسْلامُ فِي تَوجِيهِ النَّاسِ إِلَى ضَرُورَةِ احتِرَامِ الكَبِيرِ وَإِعْطَائِهِ الكَرَامَةَ اللائِقَةَ وَالمَنْزِلَةَ الشَّرِيفَةَ، وَحَرَّمَ إِيذَاءَهُ أَوِ الاستِعْلاءَ عَلَيْهِ، فَالنَّبِيُّ r يَقُولُ: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا))، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ مَعَ غِيَابِ التَّوْجِيهِ وَالإِرشَادِ وَالتَّرْبِيَةِ كَثِيرًا مَا يَجْهَلُونَ حُقُوقَ الكِبَارِ سَوَاءً كَانُوا مِنَ أَقَارِبِهِمْ أَمْ غَيْرِهِمْ، وَلِذَلِكَ لا بُدَّ مِنَ التَّذْكِيرِ المُستَمِرِّ بِقَوَاعِدِ السُّلُوكِ وَالآدَابِ وَصُوَرِ الاحتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ الَّتِي أَمَرَ الإِسْلامُ بِهَا فِي حَقِّ كِبَارِ السِّنِّ.
أَخِي : 
إِنَّ الَّذِي يَكْبُرُكَ فِي السِّنِّ أَنْتَ مُطَالَبٌ أَنْ تُقَدِّمَ لَهُ الاحتِرَامَ وَالتَّقْدِيرَ مِنْ مُنْطَلَقِ أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْكَ وَأَسَنُّ، وَلا يَمْـنَعُ خِلافُكَ مَعَهُ فِي الرَّأْيِ أَنْ تَحتَرِمَهُ وَتُقَدِّرَهُ فَذَلِكَ شَيْءٌ يَخْتَلِفُ، فَالرَّأْيُ شَيْءٌ وَالمُعَامَلَةُ شَيْءٌ آخَرُ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ r : ((مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ))، وَذِكْرُ " الشَّبَابِ " فِي الحَدِيثِ فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الشَّابَّ قَدْ يَصِلُ إِلَى لَحْـظَةٍ يَعْـتَدُّ فِيهَا بِقُوَّتِهِ، وَيَتَفَاخَرُ بِنَشَاطِهِ وَحَيَوِيَّـتِهِ، فَيَدفَعُهُ ذَلِكَ إِلَى انْتِقَاصِ الكَبِيرِ أَوْ إِسَاءَةِ الأَدَبِ فِي التَّعَامُلِ مَعَهُ، وَالحَدِيثُ يُذَكِّرُ الشَّابَّ بِأَنَّ المَرْحَلَةَ الَّتِي وَصَلَ إِلَيْهَا الكَبِيرُ سَوْفَ يَصِلُ إِلَيْهَا هُوَ أَيْضًا؛ فَيَحتَاجُ عِنْدَئِذٍ إِلَى مَنْ يَمُدُّ لَهُ يَدَ العَوْنِ، وَيَحتَرِمُهُ لِكِبَرِ سِنِّهِ وَخِبْرَتِهِ فِي الحَيَاةِ، سَاعَتَهَا سَتَكُونُ المُعَامَلَةُ الحَسَنَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ الكَبِيرِ أَيَّامَ الشَّبَابِ مُكْرِمَةً لِهَذَا الإِنْسَانِ فِي كِبَرِهِ؛ فَالجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ، وَلَعَلَّ أَعْظَمَ صُورَةٍ يَرْسُمُهَا القُرآنُ الكَرِيمُ فِي الرَّحْمَةِ بِالكَبِيرِ، هِيَ تِلْكَ الَّتِي يُقَدِّمُهَا الوَلَدُ البَارُّ لِوَالِدَيْهِ وَقَدْ بَلَغَا مِنَ الكِبَرِ مَرْحَلَةً أَصْبَحَ مَعَهَا العَطْفُ عَلَيْهِمَا وَاجِبًا شَرْعِيًّا، وَقِيمَةً خُلُقِيَّةً عَالِيَةً، فَبَعْدَ أَنْ كَانَ جَنَاحُهُمَا يُفْرَشُ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ هَاهُمَا قَدْ عَادَا إِلَى حَالٍ مِنَ الضَّعْفِ؛ وَجَبَ مَعَهَا عَلَى الوَلَدِ أَنْ يَفْرِشَ جَنَاحَهُ لَهُمَا، فَهَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ] وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)[([4])، ثُمَّ - يَا أَخِي - إِنَّكَ عِنْدَمَا تَحْـتَرِمُ الكَبِيرَ تَكُونُ بِذَلِكَ مُبَجِّـلاً للهِ تَعَالَى وَمُعَظِّمًا، لأَنَّ إِجْلالَ الكَبِيرِ مِنْ إِجْلالِ اللهِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ r : ((إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْـبَةِ المُسلِمِ))، وَلَقَدْ أَكَّدَ النَّبِيُّ r احتِرَامَ الكَبِيرِ وَتَقْدِيمَهُ فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالمَجْـلِسِ وَالعَطِيَّةِ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: ((أَرَانِي فِي المَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ؛ فَجَاءَنِي رَجُلانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا؛ فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ؛ فَدَفَعْـتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا))، إِنَّ لَدَى الكَبِيرِ خِبْرَةً وَاسِعَةً بِالحَيَاةِ، وَمَعَارِفَ تَرَاكَمَتْ عَبْرَ السِّنِينَ فَصَقَلَتْهَا الأَيَّامُ وَالتَّجَارِبُ، وَهَذَّبَتْهَا المَوَاقِفُ وَالتَّفَاعُلاتُ، فَإِذَا وَضَعْتَ لَهُ مَسَاحَةً لِيُشَارِكَكَ فِي الرَّأْيِ، مُستَشِيرًا أَوْ مُستَفِيدًا، فَإِنَّ ذَلِكَ خُلُقٌ حَمِيدٌ، وَحِكْمَةٌ تَجِدُ آثَارَهَا فِي قَرَارَاتِكَ وَآرَائِكَ، وَتَجِدُ بَرَكَتَهَا فِي حَيَاتِكَ. وَمِنَ الآدَابِ أَنْ تُقَدِّمَ الكَبِيرَ فِي مَوَاطِنِ الاحتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ، فِي الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالدُّخُولِ وَالخُرُوجِ، وَتَضَعَ لَهُ فِي المَجْـلِسِ المَكَانَ الَّذِي يَلِيقُ بِسِنِّهِ وَخِبْرَتِهِ فِي الحَيَاةِ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ r يَقُولُ: ((أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ))، وَقَدْ طَبَّـقَ النَّبِيُّ r ذَلِكَ، وَطَبَّـقَهُ صَحَابَتُهُ الكِرَامُ، فَفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ جَاءَ وَفْدُ عَبْدِ قَيْسٍ إِلَى النَّبِيِّ r لِزِيَارَتِهِ؛ فَفَرِحَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - بِزِيَارَتِهِمْ، وَوَسَّعُوا لَهُمُ المَكَانَ حَتَّى جَلَسُوا قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللهِ r، فَقَالَ النَّبِيُّ r : ((مَنْ سَيِّدُكُمْ وَزَعِيمُكُمْ؟))؛ فَأَشَارُوا جَمِيعًا إِلَى المُنْذِرِ بْنِ عَائِذٍ، وَكَانَ مِنْ عَادَةِ العَرَبِ أَنْ يُقَدِّمُوا الكَبِيرَ فِي السِّنِّ، فَقَامَ المُنْذِرُ وَوَسَّعَ لَهُ القَوْمُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى يَمِينِ رَسُولِ اللهِ r ، فَرَحَّبَ بِهِ وَلَطَفَ بِهِ وَسَأَلَهُ عَنْ بِلادِهِمْ، وَفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ جَاءَ سَائِلٌ يَسْـأَلُ السَّـيِّدَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - طَعَامًا أَوْ مَالاً فَأَعْطَتْهُ، ثُمَّ جَاءَهَا رَجُلٌ ذُو هَيْبَةٍ وَسِنٍّ فَأَجْـلَسَتْهُ حَتَّى أَكَلَ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا سُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ قَالَتْ: ((أُمِرنَا أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ)).

احبتى فى اللهِ:
إِنَّ فِي تَفَاصِيلِ الحَيَاةِ أُمُورًا يَتَقَدَّمُ فِيهَا صَاحِبُ العِلْمِ وَالخِبْرَةِ وَالمَعْرِفَةِ عَلَى غَيْرِهِ، إِذْ إِنَّ التَّخَصُّصَ يَفْرِضُ ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذَا لا يَعْـنِي إِسَاءَةَ الأَدَبِ مَعَ الكَبِيرِ، بَلْ لا بُدَّ مِنَ التَّلَطُّفِ فِي القَولِ، وَالجَمَالِ فِي الخُلُقِ، وَمُرَاعَاةِ فَوَارِقِ العُمُرِ فِي أُسْلُوبِ الخِطَابِ وَالتَّعَامُلِ، لأَنَّ الكَبِيرَ فِي النِّهَايَةِ إِذَا تَسَاوَى مَعَكَ فِي العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ وَالخِبْرَةِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ أَدَبًا وَاحْـتِرَامًا؛ لأَنَّهُ يَفُوقُ غَيْرَهُ بِمِيزَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الكِبَرُ، فَفِي الصَّلاةِ مَثَلاً يَقُولُ النَّبِيُّ r : ((يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْـلَمُهُمْ بِالسُّـنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّـنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا))، بَلْ إِنَّ هَذَا يُرَاعَى حَتَّى فِي الصُّفُوفِ خَلْفَ الإِمَامِ لِتَكُونَ الصَّلاةُ بِنِفْسِهَا صُورَةً مِنْ صُوَرِ احتِرَامِ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ، وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ r حَرِيصًا عَلَى غَرْسِ هَذِهِ الآدَابِ فِي صَحَابَتِهِ، وَتَعْـلِيمِهِمْ إِيَّاهَا عَمَلاً وَتَطْبِيقًا، وَمِنَ التَّوقِيرِ لِلْكَبِيرِ أَنْ تُقَدِّمَهُ فِي الكَلامِ إِذَا حَضَرَ، وَتَبْدَأَهُ بِالسَّلامِ إِذَا رَأَيْـتَهُ، فَفِي يَوْمٍ جَاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ إِلَى النَّبِيِّ r وَهُمْ مُحَيَّصَةُ وَحُوَيَّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالكَلامِ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r : ((كَبِّرْ كَبِّرْ)) أَيْ لِيَتَكَلَّمِ الأَكْبَرُ سِنًّا، وَهَكَذَا تَتَجَلَّى صُوَرُ احتِرَامِ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ فِي الإِسْلامِ، وَتَتَأَكَّدُ لِتُصْبِحَ جُزْءًا مِنْ أَخْلاقِ المُسلِمِ مَعَ النَّاسِ مِنْ مُخْتَلَفِ الأَجْـنَاسِ.
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَكُونُوا عَلَى هَذَا الأَدَبِ فِي مُعَامَلَةِ الكَبِيرِ، عَوِّدُوا ذَلِكَ أَنْفُسَكُمْ، وَرَبُّوا عَلَيْهِ أَبْـنَاءَكُمْ، وَدَاوِمُوا عَلَيْهِ تَطْبِيقًا فِي مُخْتَلَفِ تَفَاصِيلِ حَيَاتِكُمْ؛ تَفُوزُوا بِرِضَا رَبِّـكُمْ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا   وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ   لي وَلَكُمْ،   فَاسْتغْفِرُوهُ   يَغْفِرْ لَكُمْ    إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،  وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ   إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.


([1]) سورة آل عمران / 102 .
([2]) سورة الروم / 54 .
([3]) سورة الإسراء / 70 .
([4]) سورة الإسراء / 23-24 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق